القيادة: بين الفطرة والتجربة
القيادة ليست مجرد لقب يُمنح، ولا صفة يولد بها الإنسان وحده. هي مزيج دقيق بين طبيعة فطرية، ومهارات تُكتسب مع الزمن.
تذكّر مثلاً الشاب الذي يمتلك جرأة طبيعية ويمتاز بالمبادرة. في فريقه، كان الجميع ينتظر منه الكلام الأول، القرار الأول. لكن ذات يوم، أخطأ في تقدير موقف، فاضطر للتراجع. هنا ظهر الفرق بين الفطرة والمكتسب: من يمتلك فقط الجرأة، ينجح مؤقتًا، لكن من صقل نفسه بالوعي والتجربة، يصبح قادرًا على قيادة من حوله بثبات وهدوء.
أو لننظر إلى القائد الذي يعرف قيمة الاستماع: حين اجتمع بفريق جديد، جلس يستمع لكل صوت صغير، لكل فكرة غير مكتملة. لم يكن يُصدر الأوامر فورًا، بل يراقب التفاعلات ويستنتج نقاط القوة والضعف. بعد أسابيع قليلة، أصبح الفريق منسجمًا، وأكثر إنتاجية، ليس بسبب سلطته، بل بسبب وعيه بالآخرين.
القيادة كذلك تظهر في المرونة: رجل شاب وجد نفسه يقود مشروعًا مختلفًا عن خبراته السابقة. لم يستسلم، بل تعلم من الآخرين، وغيّر أسلوبه حسب الموقف. الفطرة وحدها لم تكن كافية، لكن الدمج بين طبيعة المبادرة والتعلّم من الواقع صنع الفرق.
وأخيرًا، لا ننسى القائد الصادق الذي يعترف بخطئه. الناس تتذكر من يخطئ ويصلح، أكثر من من ينجح بلا إنسانية. في كل موقف، يُقاس القائد ليس بقدرته على السيطرة، بل بقدرته على التأثير الإيجابي دون أن يفقد احترام من حوله.
القيادة إذن رحلة بين فطرة ووعي، بين تجربة وصقل النفس، بين جرأة طبيعية وحكمة مكتسبة. وكل شاب يقترب من فهم هذا المزيج، يقترب من أن يكون قائدًا بحق، ليس لأنه يرأس، بل لأنه يلهم ويؤثر بحكمة وصدق.