كائنات كربونية... هذا ما نحن عليه. البشر، الحيوانات، الطيور، الحشرات، النبات والأشجار على اختلافها... الكربون هو لبنة البناء الأساسية لجميع المخلوقات الحية على الأرض، وبدونه فإن الحياة كما نعرفها لن تكون موجودة ببساطة... فمركّبات ذرة الكربون هي الأساس الكيميائي للجزيئات المهمة للحياة ولمتطلبات الحضارة البشرية، نظرًا إلى قدرته الفائقة على تشكيل جزيئات كبيرة ومعقدة ومتنوعة، خاصة حين يتفاعل مع الماء لوقتٍ كافٍ، فينتج الجزيئات العضوية كالبروتينات والكربوهيدرات والحمض النووي والدهون والجزيئات الأخرى التي تميز المادة الحية. وحين يتحدّ مع الهيدروجين بغياب الأوكسجين فإنه ينتج النفط ومشتقاته والغازات الكربونية.
والكربون هو العنصر الرابع من حيث الوفرة في مجرتنا بعد الهيدروجين والهيليوم والأوكسجين، وثاني أكثر العناصر وفرة في جسم الإنسان بعد الأوكسجين، كما أنه متوفر بكثرة في القشرة الأرضية.
ومركبات الكربون قد تكون صلبة أو سائلة أو غازية بحسب الشروط الفيزيائية والتفاعلات الكيميائية الشائعة في البيئات الأرضية. وبسبب هذا، يمكن للكربون أن يذوب في الماء أو ينتشر في جميع أنحاءالعالم من خلال الغلاف الجوي كغاز ثاني أكسيد الكربون، وتعرف هذه الحركة بدورة الكربون.
تحتوي ذرة الكربون على 4 إلكترونات في غلافها الخارجي (إلكترونات تكافؤ)، وبهذه التركيبة يمكن له أن يشكل مركّبات أكثر من أي عنصر آخر، وبالتالي يمكنه، أن يشكل روابط مع أربع ذرات أخرى لإكمال تلك القشرة.
الجرافيت: أحد مركّبات الكربون الطبيعية الأكثر استخدامًا
تأتي أهمية الكربون ووظائفه الحيوية إذن من الشكل الهندسي لذرة الكربون الذي يملي تفاعلها واتحادها في الجزيئات، وبالتالي وظيفتها! فانطلاقًا من شكل ذراته وتوزيع إلكتروناته الحرة، يكون الكربون قادرًا على الارتباط بطرق مختلفة وتشكيل العديد من المركّبات الأساسية المتسلسلة. وتختلف سلاسل الكربون (البوليمير) في الطول والشكل، منتجةً مركّبات حلقية وسلاسل خطية متشعبة. وتؤدي الأشكال المختلفة إلى وظائف مختلفة وخصائص فيزيائية مختلفة!
أحد مركّبات الكربون المهمة المعروفة منذ القدم هو الجرافيت، مادة معدنية أساسية موجودة بوفرة في الطبيعة، يقوم هيكلها الجزيئي على تلاؤم في ذرات الكربون الملتصقة بشدة في تنظيم الشبكة السداسية. إنه مركّب كيميائي ناتج عن تبلّر كروي لذرات الكربون، بهيكلية سداسية وكثافة تتراوح بين 2.09 و2.23 غرام للسنتيميتر المكعب الواحد؛ وهو الشكل الأكثر استقرارًا للكربون في الظروف القياسية. ومن الاستخدامات الشائعة للجرافيت أقلام الرصاص التي تصنع منها ممزوجة بالطين؛ فالطين يؤمّن تماسك المنتج، بينما يترك الجرافيت آثارًا على الورقة عند الكتابة، وكلما زادت نسبة الجرافيت في القلم أصبحت كتابته أكثر سوادًا.
هذا، ويتحمّل الجرافيت درجات حرارة عالية دون أن تتأثّر بنيته الكيميائيّة، لذلك يتم استخدامه في عمليات صناعة الصُّلب، والزجاج، ومعالجة الحديد، إضافة إلى استخدامه في بطانات فرامل السيارات. كما يستخدم الجرافيت في المفاعلات النووية نظرًا لقدرته على امتصاص النيوترونات السريعة الحركة. ولا تخلو الصناعات الكهربائية والبطاريات من الجرافيت، فيستخدم الجرافيت البلوري في تصنيع أقطاب الكربون الكهربائية، والألواح اللازمة في صناعة بطاريات الخلايا الجافة ومنها بطاريات ليثيوم-أيون.
الجرافين العجائبي: أقوى تجليات الكربون
«صفائح الجرافين» هي الطبقات المؤسسة للهيكل التراكميّ للجرافيت، حيث تنتظم ذرات الكربون في شبكة شعرية سطحية سداسية... وفي الجرافين، ترتبط كل ذرة بثلاث ذرات كربون أخرى على المستوى ثنائي الأبعاد، عبر ثلاثة إلكترونات (من أصل أربعة) لكل ذرة، ويبقى إلكترون واحد حر في البعد الثالث للتوصيل الإلكتروني. وتتأتّى الخصائص الإلكترونية للجرافين من هذه الروابط والمدارات لإلكترونات الطبقة الخارجية.
وبعد العام 2004م، توصّلت الأبحاث والتجارب إلى حقيقة أن الروابط بين ذرات الكربون في الجرافين قصيرة جدًا وقوية جدًا بحيث تمنع التقلبات الحرارية من زعزعة استقراره.
هل كان لديك معلومات سابقة عن الجرافين؟؟
اكتبها في التعليقات وانتظرنا لنكمل ما تبقى مما اكتشفه العلم عن الجرافين........ يتبع
د.أحمد شعلان